مجموعة من المهاجرين على إحدى الطرق الحدودية داخل الأراضي الألمانية. رويترز

اليمين الحاكم واستحالة اندماج اللاجئين في النمسا

شريف بيبي
من قبل نشر بتاريخ : 06/11/2018
تبنت الحكومة النمساوية مؤخرا مجموعة من الإجراءات والسياسات التي وصفت بأنها معادية لمفهوم الهجرة واللجوء. منظمات دولية وأممية دانت المقاربة النمساوية، حيث وصفت منظمة العفو الدولية أداء الحكومة النمساوية اليمينية بأنه "عوضا عن مواجهة التحديات العالمية، قررت الحكومة عزل النمسا...". لم تكن آراء اللاجئين والمهاجرين بعيدة عن المنظمات في هذا الشأن، حيث عبر الكثير منهم عن رغبته في الذهاب إلى ألمانيا عوضا عن البقاء في النمسا. ما هي حقيقة الأوضاع في النمسا وإلى أين تتجه سياسة الهجرة واللجوء في هذا البلد الأوروبي؟
محطة قطارات فرايلاسينغ. تصوير: آسيم سليم
"لو رفض لجوئي في ألمانيا مرة ثانية لن أذهب إلى النمسا"
محطة قطارات فرايلاسينغ. تصوير: آسيم سليم

محطة قطارات فرايلاسنغ، المدينة الألمانية الحدودية مع النمسا، سكون مطبق على المكان يخرقه من حين لآخر صوت عجلات قطار وربما أصوات بعض الواصلين او الذاهبين عبر المحطة. بضعة سيارات أجرة، سائقوها يظهر على وجوههم الملل من طول انتظار الزبائن.

بالقرب من باب المحطة الرئيسي، مجموعة من الشبان يتبادلون أطراف الحديث، يخرقون بأصواتهم التي تعلو لحظة ثم تخفت رتابة المكان. يمكنك التكهن من لغتهم العربية بأنهم مهاجرون. جميعهم في بداية العشرينات من العمر، جاؤوا إلى تلك المدينة الحدودية قبل نحو ثلاث سنوات.

                         2015 2016

أحمد، يبدو أكبرهم، يتحدث بلهجة واثقة، "جئت من غزة، قطعت الطريق المعتادة كلها. من مصر إلى تركيا ثم البحر إلى اليونان... فصربيا والمجر..."، هكذا حتى وصل إلى النمسا. "لم أرد البقاء في النمسا، ألمانيا هي الهدف، اللجوء هنا أفضل من النمسا والفرص متاحة أكثر".

بالنسبة لهؤلاء المهاجرين الشباب، البقاء في النمسا غير وارد، يقول أحدهم "التضييق على المهاجرين في النمسا ليس محصورا بإطار أو مجال محدد. يشعر اللاجئون هناك بأن الحكومة تحاسبهم على كمية الهواء المتنفس".

"الوضع ليس كذلك هنا"، يقول احمد، "أنا هنا منذ سنتين ونصف، طلبت اللجوء في ميونيخ، أقمت في عدة مدن قبل أن أستقر في فرايلاسنغ. أستطيع أن أؤكد أن الوضع هنا ليس كما في النمسا، لم أشعر بأي تغيير حقيقي حتى مع وصول اليمين للسلطة... طبعا هناك مناطق مثل لايبزيغ وإيسن حيث مشاعر العداء للمهاجرين مرتفعة، ولكني لا أذهب إلى هناك".

يايا، 29 عاما، مهاجر من السنغال مقيم في مركز غير بعيد عن المحطة يخضع لإدارة بلدية المدينة، "كنت أستاذ لغة إسبانية في السنغال، لم أستطع البقاء هناك، علاقتي حتى مع عائلتي باتت سيئة، فقررت الهجرة".

وصل يايا إلى ألمانيا عام 2014، رفض طلب لجوئه وهو الآن قيد إجراءات الاستئناف. "أريد أن أبقى في ألمانيا... لا أقول إنني سعيد هنا، كل ما أريده هو عمل لائق وسقف يأويني... مع ذلك حتى لو رفض طلب لجوئي مرة أخرى واضطررت للبحث عن بلد آخر، من المؤكد أنني لن أذهب إلى فيينا، ما يعانيه اللاجئون والمهاجرون هناك غير مقبول خاصة في ظل الحكومة اليمينية الحالية".

نقطة تفتيش حدودية أقامتها الشرطة الألمانية على الطريق السريع الواصل بين النمسا وألمانيا. مهاجر نيوز
الحدود الألمانية: ضبط 400 مهرب قادمين من النمسا بين كانون الثاني وأيلول 2018
نقطة تفتيش حدودية أقامتها الشرطة الألمانية على الطريق السريع الواصل بين النمسا وألمانيا. مهاجر نيوز

لم تكد تمر دقائق حتى وصل الناطق باسم الشرطة الاتحادية الألمانية في ميونيخ ماتياس كنوت، ليأخذنا إلى أحد حواجز التفتيش الرئيسية على الطريق السريع A8 الرابط بين مدينتي سالزبورغ النمساوية وفرايلاسنغ الألمانية.

 "هناك نقطتان حدوديتان إضافيتان مشابهتان لهذا الحاجز" يقول كنوت، "واحدة بالقرب من مدينة باساو والأخرى على الطريق السريع الرابط بين مدينتي إنسبروك في النمسا وروزنهايم في ألمانيا".

ويضيف "منذ كانون الثاني يناير وحتى أيلول سبتمبر 2018، ضبطنا حوالي 7800 محاولة دخول غير شرعية إلى ألمانيا عبر الحدود مع النمسا، أعدنا منهم حوالي 4000، كما قمنا بضبط 400 شخص بتهمة تهريب أفراد عبر الحدود، مقابل 330 شخصا خلال الفترة نفسها من العام الماضي ".


ويتابع "في إحدى المرات أوقفنا شاحنة قادمة من النمسا على متنها عشرات المهاجرين البنغاليين، نساء وأطفال ورجال، كانوا مكدسين فوق بعضهم البعض بشكل غير إنساني ومأساوي... مشاهد مثل هذه نراها دائما... اعتقلنا السائق وحولناه للجهات المختصة أما المهاجرين فتم تحويلهم إلى المكتب الاتحادي للهجرة".

لا تبدو الحياة في النمسا جاذبة للاجئين وفق ما استنتجنا خلال الزيارة، حتى أن حركة المهاجرين من النمسا إلى ألمانيا نشطة إلى حد كبير، وفقا للمسؤول في الشرطة الاتحادية الألمانية، الأمر الذي يطرح سؤالا أساسيا وهو:

مهاجرون سوريون بالقرب من الحدود النمساوية - الألمانية في منطقة يولباخ في النمسا. أرشيف
ما هو الوضع في النمسا؟
مهاجرون سوريون بالقرب من الحدود النمساوية - الألمانية في منطقة يولباخ في النمسا. أرشيف

إضافة إلى إغلاق الحدود وإقرار رزمة تشريعات تمنع المهاجرين من دخول الأراضي النمساوية، قررت الحكومة النمساوية اليمينية مؤخرا الانسحاب من ميثاق الأمم المتحدة "غير الملزم" بشأن الهجرة، لتحذو حذو الولايات المتحدة والمجر، معللة قرارها بالخوف من أن يؤدي هذا الميثاق إلى الخلط بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية.

هاينز كريستيان ستراخي، زعيم حزب الحرية اليميني ونائب المستشار النمساوي قال إن بلاده تسعى لتكون مثالا لباقي الدول الأوروبية من خلال المحافظة على سيادتها فيما يتعلق بقضايا الهجرة. "سيعود لنا نحن النمساويون أن نقرر من سيدخل إلى البلاد".


وأضاف شتراخي "الهجرة ليست حقاً من حقوق الإنسان ولابد ألا تصبح حقا من حقوق الإنسان، من شأن هذا أن يؤدي إلى تطورات سياسية لا يمكن تصورها في شتى أنحاء العالم".

قد تلخص كلمات نائب المستشار النمساوي الشعور العام حيال موضوع الهجرة واللجوء في أروقة السياسة النمساوية، ولكن ما هو رأي المنظمات غير الحكومية في التطورات في النمسا؟

مهاجر يسير وحيدا في شوارع إحدى المدن الإيطالية على الحدود مع فرنسا. رويترز
صعوبة تقديم اللجوء والحد من برامج الاندماج
مهاجر يسير وحيدا في شوارع إحدى المدن الإيطالية على الحدود مع فرنسا. رويترز

هاينز باتزلت، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية "آمنستي" في النمسا، تحدث لمهاجر نيوز عن التشريعات القانونية التي استحدثتها الحكومة مؤخرا "للتضييق على اللاجئين". وشدد على أن الحكومة تمارس سياسة "نحن والآخرين"، وهذا " خطير جدا لأنه يضع المهاجرين واللاجئين وكافة مفاهيم الهجرة في موقع صعب جدا".

                 30102018

"مؤخرا بات تقديم طلب اللجوء صعبا جدا"، يقول باتزلت، "السياسات والإجراءات التي تعمل الحكومة على تطبيقها تهدف لمنع اندماج من قبلت طلبات لجوئهم... كتقليص ساعات تعلم الألمانية مثلا أو التضييق على إمكانية التحاق أطفال اللاجئين بالمدارس، أو توزيع اللاجئين على مناطق نائية ضمن النمسا قد لا تكون ملائمة لوضعهم وتصعب عليهم متابعة الإجراءات القانونية المرتبطة بإقامتهم على الأراضي النمساوية".

ويجدر ذكر أن على اللاجئين توقيع وثيقة تسمى بوثيقة الاندماج، يطلب فيها منهم التقيد بمجموعة من القوانين التي وإن لم يستطيعوا الالتزام بها أو ببعضها لأي سبب من الأسباب، كأن يتعثر عليهم إتقان اللغة الألمانية خلال مدة زمنية محددة أو ارتكاب جنحة ما، قد يكونون عرضة لعقوبات معينة كأن يتم تخفيض نسبة المبلغ الشهري من المساعدات المقدّمة للفرد أو للعائلة، وحتى سحب حق اللجوء.

مشهد عام لمدينة سالزبورغ. تصوير: آن دياندرا لوارن
850 يورو شهريا للاجئ و40 يورو أسبوعيا لطالب اللجوء
مشهد عام لمدينة سالزبورغ. تصوير: آن دياندرا لوارن

في المقابل، قال أحمد لفتاوي، الخبير بشؤون الهجرة والاندماج في النمسا لمهاجر نيوز، إن "الحكومة النمساوية تقدم مساعدات مادية للاجئين وفقا لوضعيتهم الاجتماعية إضافة لعوامل أخرى"، ويشدد الخبير على أن "قاعدة احتساب تلك المساعدات صعبة جدا. الثابت في هذه الحالة هو المبلغ الذي يتقاضاه اللاجئ العازب وهو 850 يورو شهريا، أما بالنسبة للعائلات فيختلف المبلغ وفقا لعوامل مختلفة كعدد أفراد العائلة".

وتأتي هذه المساعدة بإطار برنامج إدماج اللاجئين في المجتمع النمساوي.

أما بالنسبة لطالبي اللجوء، فأوضح الخبير أنهم يتقاضون "40 يورو أسبوعيا للشخص الواحد تدفع من قبل الأمم المتحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المسكن والغذاء مؤمن لهم. وتقوم منظمات غير حكومية عديدة كالصليب الأحمر بتنظيم حملات تبرعات لتأمين الملابس والأحذية لهم".

وحول نية الحكومة النمساوية مصادرة هواتف المهاجرين ومقتنياتهم لتستخدم لاحقا في تأمين معيشتهم في النمسا، نفى لفتاوي قيام الحكومة النمساوية، حتى الآن، بمصادرة هواتف المهاجرين، وقال "نعم كان هناك الكثير من الأحاديث حول هذا الموضوع ولكنه لم يطبق أبدا. كل ما يصدر الآن من أخبار حول مصادرة مقتنيات المهاجرين ما هو إلا شائعات".

وحول سحب اللجوء من أي شخص على الأراضي النمساوية قال لفتاوي: "يمكن للاجئ/ة خسارة حق اللجوء على الأراضي النمساوية إذا ما تم ارتكاب جناية كبرى كالسرقة أو القتل. وحتى حينها، لا يعود الأمر كليا للسلطات النمساوية لسحب حق اللجوء من شخص ما، حيث يجب أن يصدر قرارا من بروكسل بهذا الشأن".

صورة أرشيفية
الحكومة النمساوية تنتهك حقوق الإنسان
صورة أرشيفية

بالنسبة لباتزلت، لا يمكن الفصل بين حقوق الإنسان وأي إجراء تقوم به الحكومات حاليا تجاه اللاجئين والمهاجرين، معتبرا أن الحكومة النمساوية انتهكت من خلال قراراتها وإجراءاتها "شرعة حقوق الإنسان" عبر التضييق المستمر على اللاجئين.

واعتبر أن ما يحصل مع اللاجئين اليوم سينعكس بالضرورة على المواطنين النمساويين. "نحاول الوصول للناخبين النمساويين لإقناعهم بأن موجة العداء للاجئين التي تقودها الحكومة لن تنتهي برحيل اللاجئين... وأن تلك الممارسات ستمارس لاحقا بحق المواطنين النمساويين، إذ لا نستبعد أن تلغي الحكومة لاحقا الضمانات الاجتماعية للعاطلين عن العمل أو المتقاعدين وكبار السن، وحتى البرامج الصحية الحكومية. كما أن المدارس قد تطالها إجراءات مماثلة ما سيعرض كل ما كان النمساويون يعتبرونه مسلما به لخطر الانهيار".

ولدى سؤاله عن مدى حرية عمل المنظمات غير الحكومية في النمسا حاليا بظل وجود الحكومة اليمينية، قال باتزلت: "تعمل الحكومة الآن على إيجاد طرق وقوانين لمنع عمل المنظمات غير الحكومية والتضييق عليها، وتسعى لإسناد كافة مهمات تلك المنظمات لموظفين حكوميين، ما يعري اللاجئين تماما ويضعهم وحدهم بمواجهة الحكومة اليمينية ومؤسساتها ". ويشدد باتزلت على أن المهاجرين واللاجئين بحاجة لطرف ثالث ليكون بمثابة الضامن في حال ما تعرضوا لأي ظلم من الحكومة، "وهذا ما تعمل على تغييره الحكومة الحالية".

منشأة مخصصة لترحيل المهاجرين في النمسا. أرشيف
الأفغان، الفئة الأكثر تضررا ضمن اللاجئين
منشأة مخصصة لترحيل المهاجرين في النمسا. أرشيف

وفقا لباتزلت، يتم تصنيف اللاجئين نسبة للبلدان التي يأتون منها، بمعنى آخر، هناك تصنيف لدى السلطات النمساوية بالبلدان الآمنة وغير الآمنة. فإذا اعتبر اللاجئون قادمون من بلد آمن، يتم إعادتهم فورا إلى هناك، وهذا حال الأفغان.

"اعتمدت الحكومة النمساوية في قرارها حيال ترحيل اللاجئين الأفغان بحجة أن بلادهم آمنة على رأي أحد المستشارين القانونيين، الذي بدوره تم إيقافه عن العمل بقرار قضائي وإعادة النظر بكافة القضايا والملفات التي عمل عليها سابقا بسبب سوء تقديراته وعدم مهنيته". ليكمل: "إلا أن التقرير الذي وضعه والذي صنف على أساسه أن أفغانستان بلد آمن مازال معمولا به لدى الحكومة، وهذا منتهى العبثية".

واستغرب أمين عام العفو الدولية في النمسا مفهوم "البلدان الآمنة" وتساءل "أين هي البلدان الآمنة؟ ما هذا المفهوم العبثي؟ ماذا تعني كلمة بلد آمن...؟".

"نتعرض بشكل دائم للإهانات اللفظية والممارسات العنصرية"

أمجد خان، 24 عاما، لاجئ أفغاني من مدينة جلال أباد مقيم في النمسا منذ 2010، قال لمهاجر نيوز "الحصول على اللجوء بات شبه مستحيل مع الحكومة الجديدة... على طالبي اللجوء الواصلين حديثا إلى النمسا الإقامة لمدة أسبوعين في إحدى محطات القطارات قبل أن يتم نقلهم إلى أحد مراكز الاستقبال، ويتم النظر بطلباتهم خلال شهر. معظم هؤلاء يحصلون على الرفض".


يستفيض ساجد خان (43 عاما)، طالب لجوء أفغاني من مدينة جلال أباد مقيم في النمسا منذ 2014، بوصف الوضع العام بالنسبة للاجئين الأفغان: "غالبا ما ينظر إلينا بازدراء... لا نعتبر جزءا من المجتمع، ونتعرض بشكل دائم للإهانات اللفظية والممارسات العنصرية".

ويضيف "منذ وصول الحكومة اليمينية الحالية إلى السلطة، تدهورت أوضاع اللاجئين هنا. أكثر ما أحسسنا به هو ارتفاع معدلات مداهمات الشرطة لأماكن سكننا. الطريقة التي تعاملنا بها الشرطة عدائية ومهينة. إذا اشتبهوا بقيام شخص ما ببيع المخدرات، يغيرون على المبنى كله ويخضعونا جميعنا للاستجواب. أجد أن هذا غير عادل".


بعد هذا العرض تبقى الأسئلة الأساسية الواجب الإجابة عنها رهنا بالتطورات الميدانية في النمسا. فمنذ أن وصلت الحكومة اليمينة الحالية إلى سدة الحكم، حتى بدأت باعتماد سياسات أثرت على صورة هذا البلد الأوروبي الذي كان معروفا بالسابق بحسن استضافته للاجئين. فهل ستبقى سياسات الهجرة في النمسا مقترنة بمقاربة اليمين الحاكم؟ وهل ستؤثر الممارسات النمساوية الأخيرة على السياسة العامة لباقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؟

الرئيسية/نظرة على الأحداث
الحقوق
نص: شريف بيبي
صور: آن دياندرا لوارن، شريف بيبي، آسيم سليم، رويترز
رئيسة التحرير: أمارة مخول