تخطي إلى المحتوى الرئيسي
بريطانيا

"أنا حزين وغاضب، ولست خائفا لأني لا أريد أن أكون خائفا" … شهادات الجالية المسلمة في مانشستر

موفد فرانس24 إلى مانشستر - لندن – كان وقع صدمة اعتداء مانشستر كبيرا على جميع البريطانيين، وخاصة المسلمين منهم والذين يشكلون أقلية كبيرة العدد في هذه المدينة. سلمان عبيدي، مرتكب الاعتداء، فرد من الجالية المسلمة في مانشستر ما يجعل المسلمين يتخوفون من العواقب السيئة لهذه العملية على حياتهم. فما هي مخاوفهم وماذا قال من عرفوا أسرة عبيدي؟ شهادات المسلمين من مانشستر.

حسين عمارة
إعلان

يشكل المسلمون ما يقرب من ١٠٪ من مجموع سكان مدينة مانشستر البريطانية وضواحيها البالغ عددهم حوالى ثلاثة ملايين نسمة، غالبيتهم من العرب بالإضافة إلى البنغال والهنود والباكستانيين.

والمدينة هادئة بطبعها، رغم تعدد الجاليات الدينية فيها فحوادث العنف الديني أو الإثني نادرة الوقوع، والعيش المشترك فتح آفاقا كبيرة للتواصل والتفاهم بين أفرادها.

بيد أن الاعتداء الإرهابي الذي وقع في مانشستر مساء الاثنين الماضي أثناء حفل موسيقي بأكبر قاعات المدينة (مانشستر أرينا) وأوقع ٢٢ قتيلا من الأطفال والمراهقين يخشى أن يتسبب في تغيير هذا الوضع وهذا التفاهم السائد في المدينة.

للمزيد: مانشستر ترفع شعار "بالوحدة فقط نهزم الإرهاب" غداة الاعتداء الدامي

كانت الصدمة كبيرة في مانشستر وما زاد من هولها أن مرتكب هذه الجريمة (الشاب سلمان عبيدي البالغ من العمر ٢٢ عاما ذو الأصول الليبية المسلمة) من أبناء المدينة، ولد فيها وتربى في جوها المنفتح واختلط بأفراد المجتمع من الجاليات الأخرى. لذا يخشى المسلمون البالغ عددهم ربع مليون شخص أن يخل هذا العمل بالتوازن الاجتماعي ويطلق العنان لمشاعر الكراهية والبغضاء ولاستهداف الجالية المسلمة بالأفعال العنصرية والإقصاء.

بالحديث إلى مجموعة من الشباب من أصول باكستانية لا تتجاوز أعمارهم ١٧ عاما قال أحدهم: "أنا حزين وغاضب أكثر مني خائف، لأني لا أريد أن أخاف". بهذه الروح يحاول المسلمون مواجهة الكارثة التي حلت على مجتمعهم في مانشستر وإعادة السلم الاجتماعي للمدينة.

ويعلق بساط شيخ، عضو مجلس مدينة مانشستر وعضو في حزب العمال لفرانس٢٤ قائلا: "أكثر ما أخشاه هو تأثر علاقتنا بالآخرين، لقد أصبح المسلمون يشعرون بالتهميش في المجتمع وبتنا نحس بنظرات من حولنا تحمل اتهامات مبطنة والكثير من اليمينيين المتطرفين لا يتوقفون عن مضايقة الجالية وخاصة بعد البريكسيت".

وربما هذا الخوف هو ما دفع إدارة المركز الإسلامي بمانشستر والواقع في مسجد ديدزبري إلى الخروج عن صمتها وعقد مؤتمر صحفي للتعبير والإعلان عن موقف المسلمين في المدينة من هذا العمل الإرهابي وتنديدهم به خاصة بعد رواج إشاعات عن عمل سلمان العبيدي في المركز، وتأكيدهم أن "هذه الإشاعة محض افتراء" كما قال فوزي حفار عضو مجلس إدارة المركز والذي تلا البيان على الصحفيين.

حاولنا تتبع أصل هذه الإشاعات فالتقينا بالشيخ مجدي عقيل، إمام متطوع في كثير من مساجد مانشستر وواحد من وجهاء الجالية المسلمة في المدينة، والذي كان جارا لأسرة عبيدي في منطقة فالوفيلد جنوب مانشستر والتقى والده مرارا. "لم يكن سلمان يعمل في المركز بل والده (رمضان)، الذي كنا ندعوه أبو إسماعيل، هو من كان يعمل مؤذنا متطوعا في المسجد" يقول الشيخ مجدي.

ويضيف الشيخ مجدي إن أبا إسماعيل "كان لاجئا سياسيا ليبيا في بريطانيا، ذهب إلى أفغانستان في الثمانينيات أثناء الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي ثم عاد بعد انتهاء الحرب إلى بلاده ليبيا ليغادرها من جديد هربا من القذافي شادا الرحال إلى مانشستر. وبعد سقوط القذافي في ٢٠١١ اختفى أبو إسماعيل بين عشية وضحاها”.

وتابع الشيخ أن أبا إسماعيل "كان شخصا ودودا طيب القلب ولا تبدو عليه أية علامات للميل نحو العنف، وربما غادر البلاد عائدا إلى ليبيا ظنا منه أنه حان الوقت ليجد مكانه في بلده كما ظن كثيرون غيره" في حين "لم يكن (الإبن سلمان) يتردد على المساجد الكبيرة المعروفة ولا حتى الصغيرة كما مسجد الجامعة)، وأنه شخصيا لم يره منذ كان طفلا ذا عشر سنوات أو يزيد قليلا.

مقارنة بالمدن الأوروبية الأخرى تعج مانشستر بالمساجد إذ تحوي ثمانية مساجد كبيرة وعشرات صغيرة، كما أن هناك أحياء كاملة تقطنها غالبية مسلمة. كان هذا الاعتداء صدمة كبيرة للجالية المسلمة، يقول بساط شيخ معبرا عن حزنه: "لا أستطيع أن أفهم عقلية هؤلاء الذين يذهبون لتفجير أنفسهم وسط الأبرياء والأطفال الصغار في حفل موسيقي". كان الأمر متشابها في أسرة الشيخ عقيل الذي أخبرنا أنه ولأول مرة "أرى ابنتي تأتي إلي باكية لتعلن لي الخبر وتريني صور الاعتداء على شاشة التلفزيون، كنا نعيش في سلام وإذا توفي شخص من حولنا كنا نجد جميع الجيران والأصدقاء بغض النظر عن دياناتهم يأتون للعزاء والمشاركة".

بعد ساعات من الاعتداء هوجم مسجد في بلدة صغيرة من ضواحي مانشستر، أولدهام، وأحرق بابه الكبير ولكن لم يصب أحد بأذى. هذا الحادث الجديد من نوعه يعطي إشارة لما قد ينتظر الجالية المسلمة في المدينة… تزايد الأعمال ذات الطبيعة العنصرية والعنف الموجه لطوائف بعينها. بساط شيخ يقول متأثرا "يجب أن نبقى متحدين"، أصبح وجود الجالية على المحك ووجب التحرك لإيجاد حلول. ولكن كيف تبقى الجالية المسلمة متحدة وما هي الحلول؟

يرد مجدي عقيل بأن الجالية المسلمة ليست متحدة على الإطلاق، فكل عرقية مسلمة تدير مسجدها بمفردها، وكل مسجد له ميزانيته الخاصة والمتفاوتة مع ميزانيات المساجد الأخرى، لذا فهناك مساجد غنية وأخرى فقيرة وكل ذلك يتوقف على كرم أفراد العرقية. كما أن كل مسجد له إدارته التي تضع قواعد التعامل في المساجد وهي ليست قواعد موحدة في كل المساجد. ولا أحد يريد أن يناقش بجدية الموضوعات والأمور الحساسة بالنسبة للمسلمين. دور المسجد منحصر في الصلاة والمناسبات الاجتماعية واللقاء بين الأسر وليس أكثر من هذا "وأنا كإمام ليس لي حق مناقشة الأحداث السياسية مثلا في الخطب أو الكلام عما يحدث في سوريا أو الشرق الأوسط" يشرح عقيل، كل ما أفعله هو الكلام عن الأخلاق وتعليم الصلاة والوضوء.

"أدى هذا إلى نفور الجيل الجديد من الشباب من المساجد، قليل منهم من يذهب أو يتردد عليها فهم لا يريدون الذهاب إلى مكان يعطيهم فيه كبار السن نصائح فقط" كما يقول الشيخ مجدي، والحل في نظر الإمام له شقان الأول هو "أن ينشئ المسلمون مراكز رياضية وترفيهية ودينية تحتوي أطفالهم وشبابهم وتوعيهم بما يحدث حولهم" وتسد الطريق أمام الدعاية التي يمارسها المتطرفون على عقول الشباب المسلم. فالمتطرفون يعرفون كيف يمتلكون عقول هؤلاء الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي، وهم يوهمونهم أنهم لديهم الحلول الجاهزة لكل شيء.

الشق الثاني هو أن يتحد المسلمون على المستوى التنظيمي، "يجب أن يكون هناك مجلس يمثل المسلمين على مستوى بريطانيا" يشدد الشيخ مجدي. مجلس يضم كافة الإثنيات المسلمة ويجمع شتاتها. "وهذا موضوع صعب للغاية لأن الحكومة البريطانية ستواجه بكم كبير من الاختلاف بين المسلمين ذاتهم مما سيصعب عملية التواصل بينها وبينهم"، يجب على المسلمين أن يتوحدوا أولا حتى يكون لهم ممثل واحد فقط يتحدث باسمهم أمام الجهات الأخرى ويبين وجهة نظر الجالية بأكملها للآخرين.

ولكن هل فات الآوان؟ لا يوافق بساط شيخ على ذلك "هناك الكثير أمامنا لنفعله لإعادة بناء الانسجام وإرجاع الالتحام بيننا وبين الآخرين. وهذا ما سنفعله ويجب علينا أن نفعله". ولكن ليس الخوف هو ما سيدفع المسلمين إلى العمل بل الغضب الذي يملأ صدورهم، الغضب لاستغلال اسم الإسلام في ارتكاب تلك الجرائم البربرية وتعريض وجود المسلمين في المدينة للخطر. 

حسين عمارة

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

مشاركة :
الصفحة غير متوفرة

المحتوى الذي تريدون تصفحه لم يعد في الخدمة أو غير متوفر حاليا.